اليوم: 19 مايو، 2013

نصف الكأس الفارغ

كلما استنفرت وزارة أو مؤسسة أو جهة رقابية طاقاتها وقامت بحملة، اكتشفت ــ على الفور ــ أن أكثر من 50% من الأمور ليست على ما يرام.

حملة الجوازات كشفت لنا عن أن أكثر من 70% من الوافدين يعملون بصورة غير نظامية، فأغلبهم ليسوا على كفالات، أو يعملون لدى غير كفلاءهم، أو لم يستكملوا أوراقا رسمية هامة، وحملة أمانة مدينة الرياض على المطاعم انتهت إلى إغلاق 388 مطعما مخالفا خلال أربعة أيام، والمخالفات التي تستدعي الإغلاق مخالفات كبرى تضر بالصحة العامة، وتنم عن استخدام مواد غذائية فاسدة وتخزينها بطريقة أفسد.

بعض المتفائلين يرى هذه الحملات العشوائية المفاجئة ونتائجها المخيفة بنظرة إيجابية متفائلة، ويرى فيها النصف المليان من الكأس، بينما بنظرة واقعية (غير سوداوية) نكتشف أن هذا التحرك الوقتي يكشف عن أن ما يعتقده المتفائلون النصف المليان من الكأس لا يعدو كونه نصفا مليئا بالخيبة ولا يدعو للتفاؤل مطلقا، والنصف الممتلئ بخيبة الأمل هذه يشكل مع النصف الفارغ كأسا لا تبشر بخير، ذلك أن مجرد تحرك طارئ لأداء جزء من المسؤولية اليومية كشف فسادا كبيرا كان وما زال قائما، كشفته الجهات التي تحركت وقتيا وبصورة عشوائية، فما بالك بالسنوات الطوال التي لم تتحرك تلك الجهات خلالها، كيف كان وضع العمالة الوافدة قبل أن تكتشفه الجوازات، وكيف كان وضع ما نأكل في المطاعم في الرياض وحدها قبل أن تتحرك أمانة مدينة الرياض؟!، بل كيف هو الوضع في المدن التي لم تتحرك أماناتها بعد؟!.

لا تقولوا هذه سوداوية، دعونا نفكر بمنطقية، فعندما تحركت الجوازات وأمانة العاصمة اكتشفنا هذا الكم الهائل من المخالفات والفساد، ماذا لو تحركت وزارة التربية والتعليم لتفتيش المدارس الأهلية والمدارس الحكومية، كم حجم المآسي التي ستكتشف؟!، ولو تحركت وزارة الصحة لتقييم المستشفيات الأهلية والخاصة وعمل تقييم منطقي وواقعي لمستشفياتها، ما حجم الكارثة الصحية التي سنكتشف؟!، ولو تحرك الدفاع المدني للتفتيش الشامل عن توفر أدوات السلامة ومخارج الطوارئ، فأي هلع سيصيبنا؟!، ولو قامت وزارة الخدمة المدنية بمراجعة محايدة للمؤهلات وطرق الترقيات والتعيين، فما حجم المفاجأة التي ستحبطنا؟!،

مجمل القول إننا ــ يا وطني ــ لو عملنا بجدية وحياد بمراجعة جميع الأوضاع، فإننا سنكتشف ما هو أكبر مما كشفته الجوازات وحملة المطاعم، وجدير بنا أن نفعل ذلك.

أجلوا الكي والغسيل و(الشغالة) تنام بدري !!

ما عسانا نعمل؟! أنا ــ شخصيا ــ في حيرة من (توجيهات) المسؤولين المقصرين لنا بتعويض تقصيرهم على حساب راحتنا وظروفنا الخاصة!!، وبدلا من أن يقوموا بمسؤولياتهم بجد واجتهاد، أو يجلسوا في بيوتهم بتساهل واسترخاء، يريدون منا (نحن) أن نطوع وقتنا وأعمالنا وظروفنا لتناسب تقصيرهم!!.

هذا ــ مثلا ــ رئيس مجلس إدارة شركة الكهرباء، وبعد شد وجذب حول انقطاع التيار الكهربائي، وتصريحات وزارة الكهرباء بنفي الانقطاع، وتارة أنه طبيعي وفي الحدود الطبيعية عالميا، وبعد وعود بعدم الانقطاع لم تتحقق، يطلب منا سعادة رئيس مجلس إدارة شركة الكهرباء وعبر صحيفة (الرياض) أن نؤجل الكي والغسيل من وقت الظهيرة إلى وقت لاحق (مساء مثلا)، ويرى أن هذا من متطلبات الوعي الاجتماعي.

أولا، بالله عليك يا سعادة رئيس الشركة المدعومة أستحلفك بالله هل مر عليك (عالميا) مقدم خدمة كهرباء في أي دولة في العالم يتدخل في الأوقات الشخصية للناس، ويفرض عليهم (أو حتى يجرؤ للاقتراح عليهم) بتحديد وقت كي الملابس أو غسلها أو نشرها أو متى يستحمون ومتى يحلقون و(يزبطون سكسوكاتهم)؟!.

أنا ــ شخصيا ــ مرت علي صور من طريقة تقديم خدمة الكهرباء، بعضها استغربته لكنه ليس بغرابة مقترح سعادتكم، كنت أثناء دراسة اللغة في بريطانيا، وتحديدا في (قرية) إيست بورن، أسكن مع عائلة بريطانية متقشفة، وكان عداد الكهرباء يعمل بالنقود!!، تماما كتلفون العملة، فإذا انتهى الرصيد توقف الكهرباء إلى أن نضع النقود!!، هذه تقنية عالية اختارتها هذه العائلة لكن لم يفرضها عليها أحد!!، ولم أسمع قط لا في موزنبيق أو الصومال أن مقدم خدمة (أية خدمة) يحدد للناس وقت الاستفادة منها!!.

الأمر الآخر في غرابة (توجيهات) المسؤولين لنا أنها متناقضة، فالكهرباء تريدنا أن نؤجل الكي والغسيل من الظهيرة للمساء، ووزارة العمل تريدنا أن نحدد وقت عمل العاملة المنزلية، وأن نجعلها تعمل 8 ساعات فقط وتصعد لغرفتها وتنام باكرا!!، فكيف نوفق بين التوجيهات.. نؤجل الكي والغسيل، أم نؤجل نوم العاملة المنزلية؟!!.

أنا ــ شخصيا ــ أفضل لبس ثوب (معفط) على أن يحدد لي أحد موعد كيه!!.