نصف الكأس الفارغ

كلما استنفرت وزارة أو مؤسسة أو جهة رقابية طاقاتها وقامت بحملة، اكتشفت ــ على الفور ــ أن أكثر من 50% من الأمور ليست على ما يرام.

حملة الجوازات كشفت لنا عن أن أكثر من 70% من الوافدين يعملون بصورة غير نظامية، فأغلبهم ليسوا على كفالات، أو يعملون لدى غير كفلاءهم، أو لم يستكملوا أوراقا رسمية هامة، وحملة أمانة مدينة الرياض على المطاعم انتهت إلى إغلاق 388 مطعما مخالفا خلال أربعة أيام، والمخالفات التي تستدعي الإغلاق مخالفات كبرى تضر بالصحة العامة، وتنم عن استخدام مواد غذائية فاسدة وتخزينها بطريقة أفسد.

بعض المتفائلين يرى هذه الحملات العشوائية المفاجئة ونتائجها المخيفة بنظرة إيجابية متفائلة، ويرى فيها النصف المليان من الكأس، بينما بنظرة واقعية (غير سوداوية) نكتشف أن هذا التحرك الوقتي يكشف عن أن ما يعتقده المتفائلون النصف المليان من الكأس لا يعدو كونه نصفا مليئا بالخيبة ولا يدعو للتفاؤل مطلقا، والنصف الممتلئ بخيبة الأمل هذه يشكل مع النصف الفارغ كأسا لا تبشر بخير، ذلك أن مجرد تحرك طارئ لأداء جزء من المسؤولية اليومية كشف فسادا كبيرا كان وما زال قائما، كشفته الجهات التي تحركت وقتيا وبصورة عشوائية، فما بالك بالسنوات الطوال التي لم تتحرك تلك الجهات خلالها، كيف كان وضع العمالة الوافدة قبل أن تكتشفه الجوازات، وكيف كان وضع ما نأكل في المطاعم في الرياض وحدها قبل أن تتحرك أمانة مدينة الرياض؟!، بل كيف هو الوضع في المدن التي لم تتحرك أماناتها بعد؟!.

لا تقولوا هذه سوداوية، دعونا نفكر بمنطقية، فعندما تحركت الجوازات وأمانة العاصمة اكتشفنا هذا الكم الهائل من المخالفات والفساد، ماذا لو تحركت وزارة التربية والتعليم لتفتيش المدارس الأهلية والمدارس الحكومية، كم حجم المآسي التي ستكتشف؟!، ولو تحركت وزارة الصحة لتقييم المستشفيات الأهلية والخاصة وعمل تقييم منطقي وواقعي لمستشفياتها، ما حجم الكارثة الصحية التي سنكتشف؟!، ولو تحرك الدفاع المدني للتفتيش الشامل عن توفر أدوات السلامة ومخارج الطوارئ، فأي هلع سيصيبنا؟!، ولو قامت وزارة الخدمة المدنية بمراجعة محايدة للمؤهلات وطرق الترقيات والتعيين، فما حجم المفاجأة التي ستحبطنا؟!،

مجمل القول إننا ــ يا وطني ــ لو عملنا بجدية وحياد بمراجعة جميع الأوضاع، فإننا سنكتشف ما هو أكبر مما كشفته الجوازات وحملة المطاعم، وجدير بنا أن نفعل ذلك.

اترك رد