اليوم: 15 يوليو، 2013

قوانين أمريكا المجنونة

لم أشعر يوما ما في حياتي بالاطمئنان للعيش في أمريكا، لا في زمن الشباب (زمن البعثات)، ولا في عمر النضوج، ولا كأب ورب أسرة، كنت وما زلت أشعر أن من يدخل أمريكا يضع مصيره على مفترق شكوى من متحمس لتوافه الأمور أو مريض بالكراهية والعنصرية وكف قانون عفريت قد يهوي بضعيف فقير بريء في وادٍ سحيق من الأحكام بفعل محام ادعاء بارع ظالم أو يبرئ قويا غنيا أو مشهورا رغم وضوح الأدلة ضده بفعل محام دفاع مؤثر ومال وفير!!.

لم يتكون لدي هذا التصور عبثا، بل نتيجة متابعة وتدقيق لما يكتبه الأمريكان عن مجتمعهم ومواقفهم مع القوانين الغريبة المتطرفة جدا في منح الحرية والحماية إذا شاءت، والمتطرفة أكثر في سلبها متى أرادت، والأحكام التي تقوم على قرار هيئة محلفين من شعب على نياته يسهل التأثير فيه سلبا أو إيجابا لا يهتم بمعرفة الثقافات الأخرى، بل قد يجهل اسم عاصمة دول محاذية مثل كندا والمكسيك، ناهيك عن لغة شعوبها وثقافتهم.

في شبابي، تابعت على الهواء مباشرة ودون تفويت محاكمة أوجيه سمسون وتبرئته من قتل زوجته رغم وضوح الأدلة والهرب من العدالة، وقرأت قصص آلاف المظلومين الذين نفذت فيهم أحكام السجن والإعدام لجرائم ثبت لاحقا براءتهم منها، وهذا أمر يحدث في دول أخرى، لكن توجيه الاتهام في أمريكا يتم بطريقة جنونية لا تجدها في أوروبا مثلا.

على تلك الخلفية والانطباع، حذرت مما قد يواجهه المبتعث لأمريكا (قبل 11 سبتمبر)، خصوصا مع الجهل ببعض الأنظمة الغريبة وذات الأحكام القاسية التي لا تتناسب مع المخالفة، والتي يتندر بها حتى الأوروبيون، وللأسف لم نتعظ بما واجهه المبتعث عبدالله الطوالة من الظلم ومحاولة تركيب التهم، ثم تلاه قضايا لعدد من المبتعثين، لعل أغربها حكايات القدر الكاتم المعاصرة. اسطوانة الخادمات الشرقيات بدأت مبكرة مع التهم المركبة على حميدان التركي وخادمته الإندونيسية ولم نتعظ بها أيضا!!، واليوم ندفع الثمن بقضية أخرى ضحيتها سيدة فاضلة لم تتعظ وسافرت بأربع خادمات إلى بلد يرى أن قبول طلب الخادمة بجمع مستحقاتها أو ضم جوازها في نفس خزنة جوازات الأسرة جريمة عقوبتها عشرات السنوات خلف القضبان.

لا أقول قارن بين أمريكا ودول العالم الثالث، بل قارن بين أمريكا ودول أوروبا، وستجد أن العقل نعمة وتعيش حيث يحكم العقل لا جنون العظمة.


أطفالنا .. حضانة بسَكينة أم نحر بسِكينة؟!

بالأمس، بدأت موضوعا لا ينتهي ووعدت باستكماله، وكان يتعلق بكثرة حالات نحر الخادمات للأطفال الأبرياء، وقلت إن الحل الأنسب والحضاري هو تكثيف إنشاء دور الحضانة الحكومية المجانية، إذا كنا صادقين وجادين ومخلصين نحو توظيف المرأة المطمئنة على أسرتها.

قلنا سابقا وكررنا أن إخراج المرأة من منزلها إلى مقر العمل طلبا للرزق والمشاركة في تكاليف الحياة أمر يحتاج سلفا إلى توفير الأرضية المناسبة لهذه الخطوة، وتوفير الاحتياجات والبدائل بشكل مكثف وسلس، ومنها توفير ملاذ آمن للرضع والأطفال والصغار يضمن عدم الإساءة لهم بالتعذيب أو التحرش أو القتل، وكل من هذه السلوكيات شائع عندنا من الخادمات!!.

نحن قلدنا بالحث على توظيف المرأة، ولم نقلد بتوفير الأرضية، وهذا ينطبق في احتياجات كثيرة للمرأة، من أهمها توفر دور حضانة مجانية أو بسعر رمزي في كل مكان عمل، والأهم من توفرها مراقبتها والإشراف عليها والتأكد من توفر سبل السلامة فيها!!.

في المجتمعات الأخرى التي نقلدها في شأن ونغفل آخر تتوفر تلك الدور وتراقب، كما تتوفر آلية محكمة لاستئجار امرأة (مواطنة) لرعاية المنزل والأطفال أثناء غياب الأم (بيبي ستر)، لكنها متعلمة ومتخصصة ومؤهلة علميا ونفسيا لأداء الدور، وتعتبر واحدة من فرص توظيف المرأة بأجر الساعة، لكنها مستحيلة التطبيق لدينا بذات الطريقة (دخول مواطنة منزل الغير واختلاؤها بمن فيه) لأسباب شرعية نفخر بها ونحرص على الالتزام بها، إلى جانب قيم وعادات اجتماعية راسخة وذات ارتباط وثيق بتعاليم الدين السمح.

في الوقت ذاته، لدينا حل يتناسب مع ظروفنا ويحقق ذات الغرض (توفير رعاية امرأة مواطنة متعلمة ومؤهلة ومأمونة الجانب)، ولكن بطريقة عكسية، بحيث يودع الأطفال في منزل المرأة التي تخضع لتدريب ودورات ومراقبة وترخيص لإيواء الأطفال، وهذا بالمناسبة اقتراح ليس من عندي، بل سبق أن اقترحه الزميل الدكتور محمد الحضيف، وأذكر أن أحد المواطنين وزوجته طبقه في منزله برعاية عدد من الأطفال، لكن ضيق عليه واتصل بنا في أحد البرامج الفضائية شاكيا!!.

السبل كثيرة ومجربة ولا تحتاج منا إعادة اختراع العجلة، ومطبقة في دول نقلدها في شأن ونهمل آخر، لكن الأهم أن نقتنع بأن إيكال أمر أطفالنا لخادمات من بيئات محبطة تعاني أمراضا نفسية وفقر مع جهل وضعف إيمان نهايته مزيد من حوادث النحر والقهر!!.