مقاول النفق المظلم

يجب أن لا نجعل يدنا مغلولة للعنق أو نبسطها كل البسط، كنا نشدد على الأرخص في أمر ترسية المشاريع على المقاولين، ونعتبر السعر المقدم هو الفيصل، ونرى الآن وبعد تجربة طويلة مريرة مع هذا المعيار الوحيد أنه السبب في تأخر المشاريع أو سوء تنفيذها؛ لأن المقاول الذي قدم سعرا متدنيا كان ينافس للفوز بالعطاء بتحقيق أقل سعر منافس لغيره، فلما رسا المشروع عليه حاول من جديد تحقيق الربح على حساب الجودة والسرعة في التنفيذ.

تلك الرؤية أو التفسير مقبولان في تحديد أسباب التأخر في التنفيذ أو مواجهة المشروع للعراقيل التي تعوق تنفيذه في (الوقت) المحدد المتفق عليه، أما ما يتعلق بجودة المنتج و(سوء التنفيذ) من حيث الجودة لا الزمن، فإننا ما زلنا نعاني منها حتى مع الترسية على شركات كبرى مشهورة تتمثل في واحدة أو اثنتين تكاليفهما باهظة.

إذا، فإنه ومن جديد يثبت أن أمر ترسية المشاريع على الشركة الأشهر أو المقاول الأكبر واستبعاد الصغار ليس الحل المنشود، خصوصا أننا اكتشفنا وبما لا يسمح لأدنى شك أن الشركات الكبرى ما هي إلا أسماء توكل الأعمال في النهاية إلى مقاولين من الباطن هم ذات المقاول الرخيص سيئ التنفيذ، ولكن بتكلفة إجمالية أكبر بكثير قد تشتري الزمن، لكنها لا ترتقي بالجودة.

الحل الوحيد في هذا الصدد هو الابتعاد عن علتنا الدائمة في محاولة إعادة اختراع العجلة واتباع الأسلوب العالمي الناجح في هذا الصدد والبداية من حيث انتهى الناجحون (عالميا)، وهو التشدد في تصنيف شركات المقاولات المبني على تقييم شامل لمكوناتها يعتمد على معايير واضحة ودقيقة لا تقبل الوقوع في فخ الحيل والتحايل، وزيارات مكررة لكياناتها للتثبت من واقعها وقدراتها ومؤهلات العاملين فيها، ثم طرح المنافسة في السعر على شركات متعددة متشابهة في التصنيف ومتساوية في الفرص وتركها تطرح أسعارها لتنفيذ المشروع بناء على تكلفة مواده وأدواته التي ليس من بينها تكاليف إضافية تشبع البطن لتستحي العين، عندها سترى أعيننا منتجا يسر العين، وأنفاقا إضاءتها لا تخر الماء؛ لأن ترسيتها لم تمر عبر نفق مظلم.


اترك رد