أريد من إحدى الجامعات أن تخصص كرسي بحث، وما أكثر كراسي البحث في جامعاتنا هذه الأيام، فبعد (موضة) الكراسي تشعر أن جامعاتنا تحولت إلى معارض أثاث مستعمل، خاصة أنها كراسي مكرره.
كرسي البحث الذي أقترحه لإجراء دراسة إحصائية عن ما يكتب في أعمدة الرأي في صحفنا وتعداد ما يتعلق بإصدار فتوى شرعية أو الاعتراض على شأن فقهي من شخص غير متخصص، أو إبداء الرأي في موضع خلاف فقهي مات علماء فقه متخصصون وولد آخرون والتحاور حوله لا يزال قائما لتعقيد المسألة وليس لنقص في علم المتحاورين.
من واقع قراءاتي اليومية، أتوقع أن تنتهي الدراسة إلى رقم فلكي كبير جدا يدلل على أن بحرا من الحبر سال في أعمدة الصحف جله من الغثاء لافتقاده للتخصص وخوضه في أمور فقهية تحتاج للخوض فيها إلى رصيد عال من العلم الشرعي، تماما كما أن الخوض في شأن كيميائي أو فيزيائي أو طبي أو لغوي أو جغرافي يحتاج إلى رصيد من العلم والتخصص والتأهيل في هذه المجالات.
لماذا يطالب ذات الأشخاص بالتأهيل والتخصص في من يكتب عن موضوع طبي أو علمي أو أحد العلوم النظرية الأخرى بينما (تنط) أقلامهم لتحشر رؤوسها في شأن فقهي بمجرد أن يتحدث عنه عالم أو أحد كبار العلماء، ولو كان التدخل للاستفسار أو طرح مزيد من التساؤلات المشروعة التي تشعل روح تنافس عالمين متخصصين وتوسع مدارك تحاورهما لكان الأمر مقبولا، ولكن الأقلام غير المتخصصة بل غير ذات العلاقة والأقرب إلى الجهل التام بموضوع الخلاف تتحول إلى أقلام (ضد) وأقلام (مع) وأقلام تفتي دون سند وأقلام تغرس ريشها بطريقة همز ولمز مؤلمة في قلب عالم شرع أو كبير علماء، تارة بالتشكيك وأخرى بالتخطيء الصريح، وهو ما لا يمكن أن يحدث لو كان التصريح لعالم ذرة أو طب أو صيدلة أو حتى فنون جميلة وذلك احتراما للتخصص وإجلالا للبعد عن التدخل فيما ليس لك به علم.
السؤال المهم الذي يجب أن يجيب عليه الباحث الرئيس في كرسي البحث هذا هو هل يتغير الأشخاص الذين ضد عالم فقه بتغير القضية أو المسألة فيصبحون معه أحيانا مما يشير إلى توافر الموضوعية مع وجود الجهل بالقضية أم أنهم ضد على الدوام مما يدل على تحديد موقف مسبق؟!.
أما السؤال الأهم فهو إلى أي مدى ابتعد كتاب الرأي عن دورهم الأساس في توجيه النظر إلى جوانب القصور والتقصير في الجهات الخدمية ومعاناة المواطن والمقيم من تفشي الفساد والإهمال وهجروا التحدث بنبض الشارع والتعبير عن احتياجات المجتمع التي يجيدون التعبير عنها عندما تحولوا إلى مفتين وتحولت الصحافة من صحافة شكوى إلى صحافة فتوى وليتها فتوى عن علم.
الذي أتوقع أن الجامعة لن تجري الدراسة لأن من مصلحتها أن ينشغل كتاب الرأي عن أدوارهم الأساسية في نقد أوجه القصور في المؤسسات.
اليوم: 29 مارس، 2010