اليوم: 1 مايو، 2010

الأرواح تعلق الجرس

ليس أخطر على الأنظمة والقوانين من المخالفة التي تعلن عن نفسها ولا تجد من يردعها، كل ما عليك إذا أردت أن تعم الفوضى هو أن تسن الأنظمة والتشريعات المشددة وتعلنها ثم تترك المخالفات الصريحة لها تعلن عن نفسها دون رادع واكتب بجانب هذه الصورة البشعة (على المجتمع السلام).
قلت وأقول لو أننا قيمنا الأنظمة واللوائح المكتوبة لدينا بوزن الورق الذي كتبت عليه فإننا نتحدث عن أطنان من الورق، ولكي نكون منصفين فإننا عندما نتحدث عن الشمولية والدقة في كتابتها فإنها غاية في الدقة والإلمام والإحاطة بجوانب القضية المستهدفة، وعندما نعود إلى الجهد والوقت الذي بذل في إعدادها ودراستها وإعادة الدراسة فإننا سنجد جهدا كبيرا تم بذله من قبل رجال أخلصوا في الإعداد والتقصي والبحث والدراسة والنقاش وسد الثغرات، ووقتا طويلا استنزف في اجتماع تلو اجتماع يقاس بوحدة زمن الأشهر وليس الساعات.
مشكلتنا إذا ليست في معرفة ما هو الممنوع نظاما، ولا في رؤية الممنوع عيانا بيانا على أرض الواقع، فمعظم المخالفات تعلن عن نفسها، مشكلتنا هي في طرح مرتكب الممنوع أرضا دون النظر إلى وجهه، لأن وجهه إلى الأرض، وتكبيله وتطبيق النظام في حقه على عيون الأشهاد حتى تنكسر كل العيون أمام عين النظام.
أتدرون من يعلق الجرس لدينا فيما يخص تطبيق أطنان الأنظمة على أوضح صور المخالفات المعلنة المشاهدة المعلقة على جدران المجتمع بحبال متينة من عدم المبالاة، إنها أرواح الأبرياء هي من يعلق الجرس!.
دعوني أستشهد بأمثلة عشوائية غير مرتبة ولا مقصودة سلفا، فالخرسانة التي سد بها أحد المسؤولين سيول بيشة كانت مخالفة واضحة لم تزل إلا عندما علقت الجرس أرواح الغرقى، وكذا جملة المخالفات في أودية جدة، وغرفة العمليات الملطخة بالانتهاكات في المؤهلات والإمكانات لم تغلقها إلا روح الجهني، وملاهي قطار الموت لم تسد أبوابها المشرعة على الموت إلا روح الطفل محمد حمد الحكمي، ومؤهل المنقذ السباك والمراقب الذي لا يجيد السباحة لم يكشف زيفه إلا غرق الشاب ماجد مدرك باسعيد، وانتهاك الأنظمة في توظيف وحش الشرقية رغم السوابق وعدم الاحتياط لم يعريها إلا تعرية ستر الطالبات وهتك روح طهر الصغيرات، وملاحقة المفحطين في الرياض لم ترتفع وتيرتها إلا بسبب مشاهد تناثر الأرواح، وأرواح 400 من ركاب الطائرة المحترقة هي من علق جرس صيانة وتحريك أجهزة الإنقاذ ونفخ عجلات مقص الطائرات وجعله على أهبة الاستعداد الدائم.
نحن لا تنقصنا الأنظمة الدقيقة، ما ينقصنا هو الرقابة الدائمة للتطبيق والعقوبة الاستباقية النابعة من الحرص على الروح قبل خروج الروح.