اليوم: 15 مايو، 2010

لا تظلموا المالية

لم أندم على شيء كتبته قط، مثلما ندمت على مطالباتي منذ أكثر من 25 سنة بأن تستفيد كل مؤسسة حكومية من الإيرادات المالية لنشاطها، بدلا من أن تجتهد المؤسسة في نشاطات تحقق دخلا ماليا يذهب لوزارة المالية، فلا تستفيد منه الجهة التي اجتهدت في الحصول عليه، وبالتالي يقل حماسها للحصول على المزيد.
ندمت؛ لأنني وبعد أن تم تطبيق ما كنت وغيري نطالب به رأيت بأم عيني كيف أن إيرادات بعض المؤسسات يتم صرفها دون اكتراث ودون أولويات وبدون استفادة حقيقية، بل إنها أصبحت مثل المال السائب الذي يعلم السرقة؛ لأن الرقابة على الصرف وتحديد الاحتياجات لا بد أن يتما من جهة خارجية، وإلا فإن مثل هذه الإيرادات سيتم التعامل معها كمال سائب، ولعل أكثر الحالات شيوعا غير السرقة هو أن يستخدم المال في تلميع الأشخاص أو شخص المدير بعقود خيالية وغير مراقبة، ولا أنسى موقفا لأحد المتبرعين كان يقول: قدمت دعما ماليا هدفت منه إلى تحسين خدمة فئة تخدمها جهة حكومية، فقبل المدير العام رأسي لأجعلها لشأن آخر فيه بروز له شخصيا وليس في حاجة لدعم، لكنني أحرجت فقبلت بعد تقبيل الرأس.
إذا، فإن وزارة المالية لا تلام إذا تشددت في الصرف واعتماد المبالغ، فمن المؤكد أنها مرت بتجارب عديدة اعتمدت فيها مبالغ وصرفتها لمشاريع، لكنها وجدت أنها كانت كبيرة أو مبالغا فيها مقارنة بالمشروع بعد الإنجاز. وحقيقة، فإن ما حدث من نتائج ومشاهد لمشاريع صرف السيول ــ مثلا ــ هو شاهد لوزارة المالية وليس عليها، فثمة مشاريع كشفت السيول أنها مشاريع من قش، وهذا يدعو لمزيد من حذر وزارة المالية من اعتماد أرقام فلكية لمشاريع (فكاهية) في نتائجها.
الحل الوسط ــ في نظري، وأرجو أن لا أندم مرة أخرى ــ هو أن تمنح وزارة المالية صلاحية المساءلة عن ما تم صرفه بشكل تفصيلي لا يقتصر فقط على التأكد من البنود ومخصصاتها وتنقلاتها، ولكن عن تفاصيل تطابق ما تم صرفه مع ما تم إنجازه خطوة بخطوة وريالا بسلعة، وهذه تجربة موجودة على مستوى مصغر في منح الأبحاث المقدمة من مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، حيث تتابع المدينة مراحل الصرف، وتطلب قوائم شراء الأجهزة والمواد وخلافه، ولكن تطبيق هذا الاقتراح يتطلب مزيدا من الوظائف الرقابية لوزارة المالية، ومزيدا من الدعم لهيكلتها التي بقيت كما هي، رغم أن الشق يكبر ويكبر عن رقعة الرقابة.