اليوم: 22 مايو، 2010

كلنا العقيد السبيعي

ليس أصعب على كل مخلص بذل جهدا لوطنه من أن يرى نتائج هذا الجهد ومحصلته وقد ذهبت أدراج الرياح، وليس أكثر إحباطا على أي رجل أمن في العالم من أن يبذل روحه أو يعرضها للخطر ويستجمع كامل قواه العقلية والبدنية للقبض على مجرم أو مخالف حماية لوطنه ثم يراه حرا طليقا لم تطبق عليه العقوبة المستحقة بل ويسخر ممن قبض عليه أو يهدده بالانتقام.
منذ أن كنا صغارا ترعرعنا على احترام رجل الأمن وربانا أبوانا على الاقتناع التام بأن له هيبة عظمى ليس لأنه يلبس لباسا مختلفا ولا لأنه يحمل سلاحا ولكن لأن هيبته في المجتمع هي السلاح الأهم لحمايتنا، وعندما كبرنا أذكر أننا كنا نردد أن من يخلع (زرا) من بدلة عسكري يقبع في السجن ستة أشهر، حتى أن أحد أصدقاء الحارة التحق بمدرسة عسكرية تدريبية وكان يردد علينا هذه العبارة ويحرص على ارتداء بدلة التدريب لكي لا يعتدي عليه أحد ولو بالمزاح وكنا نخشى أن نقترب منه خوفا من أن يسقط أحد (أزرار) بدلته ولو بسبب سوء تركيبه فنتعرض للعقوبة، بل إن أحدنا تشاجر مع شقيق الطالب العسكري وهو يرتدي معطفا (مدنيا) كنا نسميه (كوت) فشده وأسقط (زرارين) فلزم المنزل ثلاثة أيام خوفا من أن (زرار) شقيق العسكري له نفس الحرمة.
وسبق أن كتبت وتحدثت عبر قنوات تلفزيون وطني الإخبارية والرياضية مذكرا بأن التسفير ليس عقوبة بل مكافأة مجزية مشجعة على الجريمة.
حسنا، كل جزء من هذا المقال يبدو منفصلا أو غير ذي علاقة بسابقه وكأنه هذيان طريح الفراش من حمى لكنه في واقع الحال نتاج حمى حقيقية وارتفاع حرارة وغثيان أصابني وأنا أقرأ الخبر الذي نشرته صحيفة الجزيرة في صفحتها الأخيرة يوم أول أمس الخميس وملخصه أن مقيما تركيا قبض عليه ثلاث مرات وهو يمارس تجارة ممنوعة في الخردة وفي كل مرة يقبض عليه يتخذ بحقه قرار (تسفير) لكن القرار لا ينفذ رغم إساءته الأدب في التعامل مع رجال الشرطة، وفي المرة الثانية أيضا اتخذ بحقه قرار تسفير ولكن تم إطلاق سراحه (طالع صحيفة الجزيرة الخميس) وانتهى به التبجح في المرة الثالثة من ارتكاب نفس الجريمة أن اعتدى على العقيد خالد السبيعي قائد الحملة الأمنية بتمزيق قميصه ثم طعن نفسه ثلاث طعنات وجرح وجهه ليدعي أنه هو المعتدى عليه وهو ما دحضه الشهود، والآن هو يهدد العقيد السبيعي بأنه سيخرج من السجن ويؤدب العقيد في مقر عمله قائلا (بس اطلع من السجن راح أؤدبه).
الذي يستحق التأديب تأديبا لا يشمله العفو هو المتمادي في الاعتداء، فالعقيد السبيعي يمثلنا جميعا ويمثل كرامة المواطن.