الجانب المخيف في نواحي القصور التي تنشر الصحف جزءا يسيرا منها يوميا؛ هو أنها جميعا تؤكد انعدام الرقابة تماما وتشترك جميعها في أن أسبابها تعود إلى أن نسبة كبيرة جدا من موظفي الدولة لا يقومون بأدوارهم المطلوبة منهم، لا إداريا ولا إشرافيا ولا تنفيذيا ولا حتى صغار الموظفين يقومون بالعمل المطلوب منهم، وهذا أمر متوقع فالموظف الصغير مهما بلغ به الحماس في البداية، فإنه لا بد أن يرقص إذا ضرب مديره بالدف، ويتحول إلى اعتبار الراتب الشهري لا يعني أن تعمل يوميا بل هو حق مكتسب.
ضعف الرقابة أو قل انعدامها حاليا أدخل النتائج إلى حيز الجانب الحقوقي، ليس حق الوطن في أن (يحلل) العاملون رواتبهم، ولكن حق جميع العاملين في تساوي الجهد، فمن غير الإنصاف أن يكون ثمة موظفون يحاسبون على التأخر بالدقيقة وآخرون لا يحضرون مطلقا، وموظفون يبذلون أقصى درجات الجهد المنهك، وآخرون لا يبذلون أي جهد ويحصلون على الراتب نفسه أو أكثر أو حتى أقل، المهم أنه لا عدالة في أن يحاسب أناس ويعمل أناس، بينما غيرهم لا يحاسب ولا يعمل وكل ذلك لانعدام الرقابة المركزية الفاعلة التي تشمل الجميع.
الجانب الحقوقي الآخر الذي أدى غياب الرقابة إلى ضياعه تماما هو حق الإنسان الآخر في الحصول على خدمة الموظف الذي يتقاضى راتبا من الدولة بهدف خدمته؛ وهذه الفكرة لكي تتضح فإنها تحتاج إلى مثال، وليس أحدث ولا أوضح ولا أقسى من مثال نشرته الصحف صباح أمس عن مواطن توفي بسبب ارتفاع السكر (وهو عرض لا يقتل إذا تم التعامل معه بسرعة واحترافية) في مكتب استلام العاملات المنزليات في مطار الملك خالد (الدولي) في الرياض، فما الذي كشفه موت ذلك الرجل؟!، كشف أن الخدمات الطبية في المطار خارج الخدمة تماما، فسيارة إسعاف المطار لم تصل إلا بعد ساعة كاملة (هذا وهي في المطار محدود المساحة مقارنة بالمطارات الحديثة)، وعندما وصلت لم تستطع الدخول لأن ارتفاعها يفوق ارتفاع مدخل (القبو)، وهذا معناه أن السيارة لم تدخل المكان قط ولم يتم إجراء تجربة وهمية لحالة طوارئ في أقسام المطار، والطبيب جاء (يطوطح) يديه أي يد وراء ويد قدام ليس معه أجهزة غير السماعة وهذه يحملونها حتى في (القهاوي) للتمييز، ومعنى ذلك أن الطبيب لم يكن مستعدا وجاء من غير مكان عمله أو أن مكان عمله غير مجهز، ولأن سيارة الإسعاف التي جاءت متأخرة علقت في المدخل فقد حملت أدوات إنعاش القلب على الأكتاف مسافة طويلة.
أي قلب وأي ارتفاع سكر أو انخفاضه سينتظر ويتحمل كل هذا القصور؟ نحمد الله أن أقاربه لم يموتوا قهرا.
أعتقد أن على حقوق الإنسان أن تتدخل في تعويض غياب الرقابة على الموظفين؛ لأن النتائج أصبحت حقوقية وليست مجرد تسيب وظيفي، فالمرحوم قتلته الرقابة وغياب العدالة.
اليوم: 11 مايو، 2010