اليوم: 17 مايو، 2010

معلم كسلان

يتذمر صاحبي من هشاشة المنتجات الحديثة مقارنة بالزمن القديم ويستشهد بالسيارات، فيقول: إن جسم السيارة (البودي) كان من الحديد الخالص القوي، فكان أمان الركاب أكثر بكثير إلا من التطاير لعدم ربط الحزام، أما اليوم فإن جسم السيارة كله من (الفيبرجلاس) لا يكاد يحدث أبسط احتكاك حتى تجدها تحطمت تماما، ثم يضيف أمثلة أخرى بالعدد والمفكات والزراديات التي لم تعد تصلح لأكثر من استعمال واحد فتندثر أو تنكسر، ويقارنها بعدة الميكانيكي سابقا، حيث كان الميكانيكي يموت وتبقى عدته يرثها الأبناء أبا عن جد أو تباع برأس مالها بسبب المتانة والقوة وجودة الصناعة، وهكذا يستطرد صاحبي مستشهدا بأمثلة أخرى لهشاشة المنتجات الحديثة من أثاث وورق وأخشاب ومسامير وخلافه فلم يعد ثمة وجود للأصلي.
قلت إن التأصيل والجودة اختفت في كثير من الأشياء في حياتنا أهم كثيرا من المنتجات الاستهلاكية وأصبحت شكوى عامة، فأنت تشتكي من ضعف جودة المنتجات، وغيرك يشتكي من ضعف أدائك في عملك، وآخر يقارن معلم اليوم بمعلم الأمس فيجد فارقا كبيرا في الإخلاص والجهد، ويقارن بين طبيب اليوم وطبيب الأمس فيجد بونا شاسعا في الالتزام بأخلاقيات المهنة والصدق مع المريض والتعامل الإنساني وتحولا إلى المتاجرة في الصحة، ويقارن مهندس اليوم بمهندس الأمس فيجد تهاونا وفسادا استشرى وأثر على جودة المشاريع وقوة البناء وعمر المبنى، وآخر يقارن كاتب اليوم بكاتب الأمس فيجد ضعفا شديدا في الثبات على المبادئ وعينا تستحي إذا أطعم الفم.
حتى طلاب العلم الشرعي يا صاحبي لم يسلموا من الهشاشة، فكثر من يفتي بعد قراءة ربع كتاب وهذا إذا قارنته بمن كف بصره من القراءة أو من مات منقطعا في البحث والدراسة ولم يصدر من أي منهما فتوى واحدة، خارج سرب العلماء لمست فرق الأمس عن اليوم.
ضعف الجودة يا صاحبي شامل لا يقتصر على العدد والمواد والأدوات بل حتى على العقول والمبادئ والذوات، وإذا كانت علة السيارة في (البودي) فإن علة البشر في المكينة، وفي ظني أن السبب واحد وهو ضعف الصناعة والإعداد والاستعجال في الإنتاج، ففي الزمن الجميل كان كل شيء يأخذ وقته حتى ينضج، سواء كان منتجا استهلاكيا صناعيا أو خريجا بشريا يشكل مشروع إنسان يحمل أمانة عرضت على السموات والأرض ولم يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان الظلوم الجهول، وما كان أقل في السابق هو ظلم الإنسان وجهله، وهو ما زاد حاليا فقلت معه الجودة، فأصبح لدينا معلم كسلان وطبيب مهان ومهندس (خربان).