أخـلاق الـوزراء

لا أميل إلى الكتابة عن المناسبات والاحتفالات ولا الكتب التي تهدى ولا الشخصيات، لأنني أرى أن العامود الصحفي هو مساحة دفع القارئ ثمنها ضمن قيمة الجريدة أو اشتراك النت وهي حق من حقوقه إما لحمايته أو المطالبة له أو تثقيفه.
المناسبات والاحتفالات والكتب والشخصيات لها مساحات مخصصة لم تبخل بها الصحف في صفحات المحليات والثقافة وأخبار المجتمع.
حفل مدينتي جلاجل للاحتفاء بالمتميزين من الطلاب وتكريم المواطنين المخلصين عبدالعزيز بن عبدالعزيز المنقور وعبدالله بن سعد المزروع على شرف سمو الأمير سلطان بن محمد بن سعود الكبير ليس استثناء مما ذكرت فقد قامت الصحف بتغطيته بما يليق بالمناسبة، لذا فإنني لم أقصد الكتابة اليوم عن ذلك الحفل بل عن صورة أو عدة صور وطنية وأخلاقية أراها هامة وأرى أن مشاركة القراء بها واجب لتحقيق الاقتداء.
لو أن المواطن الذي تكفل بكل تكاليف وجهد الحفل عبدالعزيز بن علي الشويعر اجتهد بكل ما يملك من مال وذاكرة وطاقة ومساعدين وسخرها جميعا لتنظيم حفل زواج فلذة كبده والدعوة له لما أسعفته الذاكرة ولا الطاقة لجمع كل ذلك العدد الكبير من الحضور، فلم أشاهد في حياتي حفل مدينة تبعد عن العاصمة 200 كيلو متر يقام في يوم إجازة وبعد صلاة الظهر يشهد حضورا شاملا ومتنوعا ومكثفا وبتلك الصورة، خصوصا أن معظم الحضور هم من أصحاب الفضيلة المشايخ والوزراء الحاليين والسابقين وأعضاء مجلس الشورى الحاليين والسابقين وكبار المسؤولين ورجال الأعمال وجميع هؤلاء يعتبرون ظهيرة يوم الخميس الوقت الوحيد للراحة الأسرية، لكن سرا جعلهم يضحون بلذة راحة ضحى الخميس ويتجشمون عناء السفر في مغادرة طويلة وعودة أطول (بحكم الإرهاق) لحضور مناسبة تكريم طلاب في مدينة في وسط الصحراء هي أقرب إلى القرية أو المركز، لكننا نفضل تسميتها مدينة بحكم الطموح.
قد يكمن السر في حب ضيف الحفل أو المنظم أو المدينة أو المحتفى بهم أو حبهم جميعا، لكن الحب وحده لا يكفي، إنها أخلاق المحب فهؤلاء الناس (من هو على رأس المسؤولية ومن ترك منصبه ومن هو بلا منصب) يجمع بينهم قاسم مشترك أعظم هو حب هذا الوطن وحب كل شبر فيه وحب كل ذرة رمل تستقر في أرضه أو تحملها رياحه، والمحب إذا أحب محبوبته أحب كل شيء فيها وكل شيء يمت لها بصلة.
حب الوطن وحب الأرض لدى رجالاته الذين انتقاهم قادته فأحسنوا اختيارهم لا يرتبط بوظيفة أو منصب أو مكان أو منطقة، لذا فإن جل الحضور لم يكونوا من أهل جلاجل وأكثرهم ليسوا من المنطقة، لكنهم من هذا الوطن.
يصعب حصر الأسماء، لكن اسمحوا لي وأنا صحفي ابتليت بحب التقاط المواقف والتركيز عليها أن أنقل لكم موقفا يؤكد أخلاقيات الوزراء.
الدكتور حمد المانع وصل متأخرا قليلا بعد بداية الحفل بدقائق، وعندما وصل بعد إشغال كل المقاعد تناول كرسيا وجلس في زاوية بعيدة رافضا طلب المنظمين بإجلاسه في الصف الأمامي، فما كان من الدكتور محمد الرشيد إلا أن قام من مكانه وطلب من المانع الجلوس فيه ولأن الأخير رفض فقد أخذ أبا أحمد الرشيد كرسيا صغيرا وجلس بجانب زميله لكي لا يتركه وحيدا في زاوية منعزلة.
شخصيا أعجبني الشعور وأعجبتني الفطنة وامتننت بلمسة الزمالة وقلت إن المنصب أخلاق قبل كل شيء.

اترك رد