الشهر: مايو 2010

المساواة «بمزاييت» الإبـل

عندما طالبنا ونطالب بالنظر في فرض تعويضات مجزية كنا نقصد الإنسان وما يتعرض له من فقد إنسان آخر أو حياته هو جراء الإهمال والاستهتار والأخطاء الطبية وخلافه ولا مانع لدي من أن يجد تعويض الإنسان عن ممتلكاته من أغنام وبعارين وخيول اهتماما مشابها، لكن ليس إلى درجة أن تقدر الناقة بعشرة رجال.
خبر الخبر «حلوة خبر الخبر»، والذي يقول إن محكمة الخبر حكمت بتعويض مليون ريال لصاحب ناقة تدفعه شركة زيت وطنية غرقت الناقة في بقعة زيتها على أساس أن صاحب الناقة كان ينوي إدخالها مسابقة مزاين الإبل، خبر لا يخلو من طرافة وأنا أريد أن استظرف أو «أتميلح»، لأكون من مزاين البشر وأطرح بعض التساؤلات الهامة ولكن بروح النكتة.
أولا: كيف ثبت للقاضي أن الناقة من مزاين الإبل وهي مغمورة بزيت أسود من المؤكد أنه ليس زيت (جل) الذي يتزين به كل مذيع التحق بقناة فضائية، فالناقة لابد أنها أخرجت وهي أبعد ما تكون عن الجمال والمزاين.
ثانيا: من قال للناقة أن «تطب» في بقعة الزيت وهي لا تعرف السباحة في الماء؟!، وهل دخلت وهي حية مدركة، لأنه وحسب علمي المحدود أن البعارين ذكية جدا ولا تخوض في الماء إلا بدفعها فكيف تخوض في الزيت، وهل دفعها أحد لذلك أم أنها سقطت في الزيت بعد أن ماتت؟! أنا لا أدافع عن شركة الزيت الوطنية بل أريد مساواة الإنسان بالناقة وأن تغرم هذه الشركة على رميها الزيت في أحد المراعي الصحراوية وهو ما يعني تلوث البيئة الصحراوية وتسرب الزيت للمياه الجوفية التي ربما يشرب منها الإنسان وأن تكون الغرامة مناسبة عند مقارنتها بدية ناقة أصبحت من (مزاييت) الإبل.
ثالثا: لو أن مقاول طرق سفلت للتو طريقا وجاءت ناقة ووطئت الإسفلت الحار وغاصت أخفافها فيه وتسمرت ثم صدمتها سيارة ومات ركابها الأربعة، فمن يدفع دية الناقة
ومن يدفع دية الركاب؟! (حلوها يا طلاب الفقه)، هل يدفع المقاول دية الناقة وصاحب الناقة يدفع دية الركاب؟، عندها سيكون صاحب الناقة كسبان 600 ألف ريال.
طيب عندما لصقت الناقة في الإسفلت لو أنها بركت ثم جاء بعير وشاهد الناقة المزيونة لاصقة وبرك عليها وجاء صالون به عشرة أشخاص وصدم الناقة والبعير وهم في حالة تلبس، فهل يدفع المقاول دية الناقة والبعير معا أم يدفع المقاول دية الناقة لأنه تسبب في لصقها ويدفع صاحب الناقة دية البعير لأنها أغرته؟! دعك من أهل السيارة الآن، نحن في دية البعارين، أما ركاب السيارة الصالون فسيأتي كاتب ويكتب إنه صالون الهيئة صدم ناقة وبعيرا في خلوة غير شرعية ويدخلنا في قضية جديدة ترهق كاهل الهيئة والقراء.

مشكلتنا من وقف التنفيذ

القرارات مثل الطوب لا بد من وضع الواحدة منها على الأخرى ليكتمل البناء، وما لم يتم تطبيق القرار أو أحد القرارات بحذافيره وبحرص تام وتقيد ملزم فإن أي نظام أو أمر أو قرار آخر قائم عليه لا يمكن التقيد به.
الدكتور عبد الرحمن الزامل وكيل وزارة التجارة سابقا لم يكن ذلك المسؤول الملفت للنظر في تصريحاته وأقواله وربما قراراته أيضا، وقد يعود السبب إلى واقع منصب الوكيل لدينا الذي تطرقت له في مقال الأمس (أغرب منصب)، لكنه أصبح ملفتا للنظر بشدة وهو يتحدث وينتقد ويوجه النصح في الحوارات التلفزيونية معه، ويثير مواضيع هامة جدا في شؤون كثيرة وبجرأة فائقة وصراحة وحجة حاضرة.
ولكي أكون منصفا فإن الرجل يتحدث بإخلاص وحماس في كل موضوع يسأل عنه، لكن المثال الذي استشهد به اليوم يتعلق بإجابة من واقع كونه مالكا لعدد من المشاريع الصناعية أو صاحب مصنع، فعندما سأله الزميل داوود الشريان في برنامجه واجه الصحافة عن نسبة السعودة في مصانعه، قال إنها تتراوح بين 20 ــ 25 في المائة، ولعل داوود استقل الرقم، فرد عليه الزامل على الفور أن الرقم كبير جدا مقارنة بما نعانيه من عدم تنفيذ قرارات الدولة الحكيمة بضرورة الشراء من المصانع الوطنية، وأن كثيرا من الجهات لا تنفذ هذا القرار، وتقوم بالشراء من مصانع خارجية، ونحن تكلفنا السعودة حوالي 50 مليونا سنويا لارتفاع الرواتب، ولو طبق ذلك القرار الحكيم من الدولة، واقتصر تأمين احتياجات الدوائر الحكومية على المصانع الوطنية لأصبح بإمكاننا سعودة الوظائف بنسب أكبر.
لم تكن تلك هي العبارة الوحيدة التي تحدث بها الدكتور الزامل بحماس بالغ وإخلاص خشيت معه أن يتوقف قلبه، فقد أحرج نائب وزير العمل الدكتور عبد الواحد الحميد عندما استشهد بأكثر من تجربة خليجية في نجاح توطين الوظائف، سواء في سيارات الأجرة أو وظائف الباعة في المحلات أو كثير من الأعمال المهنية، مؤكدا أن أنصاف الحلول هي ما يترك مجالا للتحايل وسيطرة غير السعودي على هذه الوظائف، مرددا عبارة (لماذا لا نقفل البزبوز)، والبزبوز لمن لا يعرفه هو الصنبور أو الحنفية، وهو تساؤل مهم جدا يقصد به أننا إذا كنا جادين في سعودة وظيفة فيجب أن نوقف الاستقدام عليها، كما فعلت دول خليجية أخرى ونجحت.
الضيفان الآخران هما الدكتور عبد الواحد الحميد والدكتور علي الغفيص وكل منهما لا يزال على رأس الوظيفة الحكومية؛ لذا فإن الأول كان يدافع كثيرا عن الوزارة ويتهم المجتمع، أما الثاني فكان يتحين الفرص لسرد ما عملت المؤسسة، وهذا فرق كبير في تفاعل الضيوف، فالواحد منهم لا يقول رأيه المستقل عن كونه موظفا.

أغرب منصب

منصب وكيل الوزارة أكاد أجزم أنه أغرب منصب وأكثر المناصب غموضا في كل شيء، في جهده غير المرئي، وفي صلاحياته غير الواضحة، وفي طول مقام من يحتله، وفي عدم ظهوره إعلاميا، وصدقوني حتى في الشعور النفسي والأحاسيس والحالة النفسية لغالبية الوكلاء الذين عايشتهم أو ربطتني بهم علاقة.
قد يكون وكيل الوزارة أكثر من يعمل، وقد يكون أطول من يعمل (أطول في ساعات العمل وليس بالضرورة في القامة)، وقد يكون لا يعمل ولا يداوم، فنحن لا نعلم لأنه ليس لنا نحن المتابعين عن بعد إلا الظاهر ووكيل الوزارة لا يظهر.
وقد يكون وكيل الوزارة هو (الكل في الكل) في وزارته، وهو عنصر النجاح إذا كان ثمة نجاح، وقد يكون هو سبب الفشل (إذا كان ثمة نجاح أيضا)؛ لأن الفشل عندنا نسبي لا يعلن عنه، لكنه يعلن عن نفسه عندما يكون ثمة نجاح سابق، وقد يكون هو صاحب الصلاحيات ومتخذ القرارات وحمال الأسية، وقد يكون هو المأكول المجحود، وهو أيضا ليس مأكولا مذموما لأنه لا يظهر حتى يذم أو يمتدح.
دققوا معي، وستجدون أن هناك وكلاء وزارات هم الأطول بقاء وقلما يتغيرون وقد تتغير صلاحياتهم أو تلغى، نحن لا نعلم لأننا أصلا لا نعلم عنهم شيئا إلا إذا تم تكثيرهم وتعددهم أو إزدواج مهامهم.
أعود للحالة النفسية، مؤكدا أن أغلب من عايشت أو استمعت لهم من وكلاء الوزارات تلمس فيهم نبرة حزن وأسى، ربما لأنه يشعر بأن ثمة جهودا سابقة عايشها وعايش جهدها ويراها تتهدم بغير اكتراث، أو لأنه فعلا هو المأكول المجحود، أو لأنه يرى أنه هو الجواد الذي يركض والشكر لغيره.

وقفات أسبوع الفتاوى

** عندما يختار صاحب الفتوى تفجيرها إعلاميا وفي وقت يشهد فيه الإعلام خمولا وعطشا لما يحرك ساكنه، عندما يختار لها أن تصدر بعد انتهاء الموسم الكروي في البلاد وأن تنشر بعد انتهاء المباراة الختامية لكأس أوروبا وهو آخر أهم الأحداث الكروية عالميا ويحرص أن تكون قبل «سنترة» كأس العالم في جنوب أفريقيا أي في وقت تشهد فيه الساحة عطشا شديدا للإثارة، وعندما تكون الفتوى في شأن شاذ لا يهم الناس ولم يسألوا عنه ولم يفكروا فيه ولن يطبقوا الفتوى إلا في التندر فاعلم أن صاحب الفتوى أراد أن يصور معها.
** هدية متواضعة أقدمها لنظام ساهر وللقائمين عليه أضيفها للهدية السابقة في وقفات الأسبوع المنصرم وتمثل تساؤلا بريئا أحب من خلاله أن أربط بين النظام وأدوات تطبيقه فمثلا لا يمكن أن تركب «كاميرات» عالية الدقة منتشرة في كل مكان لكي تلتقط رقم لوحة المخالف وأنت ليس لديك الانتشار الواسع والمراقبة الشديدة التي تمكنك من إيقاف كل سيارة تسير دون لوحة أصلا هذا التساؤل يرد على خاطري كلما شاهدت في طريقي إلى العمل وتحديدا في طريق الشيخ جابر في الرياض مركبات تسير بدون لوحة فمهما بلغ حجم عيون كاميرات ساهر وعددها وانتشارها فإنها لن تسجل رقما غير موجود، أما الهدية الثانية التي ستغضب الشباب مني فهي أنني لاحظت سيارات نظيفة جدا لوحاتها يعلوها الطين أو التراب الكثيف أخشى أن يكون تمويها ذكيا لم يتنبه له المرور.
** كثيرا ما كررت وزارة التربية والتعليم المفاخرة بأن مدير المدرسة الأهلية تابع لوزارة التربية والتعليم ولا علاقة له بمالك المدرسة أو ملكيتها، أي أنه في حكم الرقيب الممثل للوزارة، إذا كان الأمر كذلك فما هو تفسير أن يصدر مدير مدرسة ثانوية أهلية خطابا شديد اللهجة لأولياء الأمور يهددهم فيه بأن تأخر التسديد سيؤدي إلى حرمان ابنهم من منحه تقرير النتائج وعدم استمراره في المدرسة، وما هو السر في صمت مديري المدارس الأهلية الابتدائية على مخالفات بيع مواد ضارة في مقصف المدرسة. وهل الأول مدير أم محصل وهل الثاني رقيب أم (مغمض)؟! .
** في برنامج «واجه الصحافة» حول السعودة كان الدكتور عبد الرحمن الزامل الوحيد الذي يقول كلاما صريحا، مباشرا، مفيدا لا مجاملة فيه ولا تصنع وبصرف النظر عن كون الكلام يخرج من صاحب مصانع أو تاجر أو مسؤول سابق أو عضو شورى أرى أن نسجل الكلام ونصغي إليه ونحاكم ما جاء فيه بصرف النظر عن من قاله ولماذا يقوله وخلاف ذلك من محاكمة النوايا التي انتشرت مع تفشي المغالطين.

الهيئة تحتج على فتوى العبيكان

لا شك عندي أن فتوى الشيخ عبدالمحسن العبيكان بجواز إرضاع الكبير تتصدر قائمة الأحداث والأخبار العالمية وليس المحلية فقط، فقد تناقلتها وسائل الإعلام ووكالات الأنباء وأعترض عليها علماء الشرع في الكويت وتعجب منها علماء الأزهر اللذين لم يمض على اعتراضهم على فتوى الدكتور عزت عطية رئيس قسم الحديث بكلية أصول الدين وعزله بسبب فتواه المشابهة سوى ثلاث سنوات، ولا بد أن الدنمارك اعتبرتها تهديداً لناتج قومي هو حليب الأبقار الدنماركية قد يصل حد إغراق السوق بحليب طبيعي له خاصية نادرة وهي كونه جواز سفر بروتيني أبيض يسمح لشاربه ب(الميانه) على البيت والإنضمام إلى الأسرة كأخ للبنات وابن للمرضعة وابن كفيل للشغالة.

 وقد أحسن الشيخ كعادته اختيار توقيت إصدار فتواه حيث جاءت بعد انتهاء الموسم الكروي في البلاد وجاء نشرها بعد المباراة الختامية لكأس أوروبا وهي أخر أهم الأحداث الرياضية عالمياً، وقبل “سنترة” كأس العالم في جنوب أفريقيا، أي في وقت تشهد فيه الساحة الإعلامية عطشاً شديداً للإثارة لا يرويه إلا خمس رضعات مشبعات لسائق لابد أن يدخل البيت ويتردد عليه وليس لديه منزل أخر وهذه من شروط النسخة الأولى من الفتوى لأن كل سائق ليس له إلا كفيل واحد والأن اصبح له بفضل الفتوى أكثر من ثدي لهجه الجنين مع أن شعراء نجد كانوا يتغنون بثدي لم يلهجه الجنين لكن أي رجل مغترب لن يمانع بثدي مستعمل استعمال حشمة ومن يدري فقد نشهد فتوى جديدة أكثر (إثارة) برضاعة ثدي لم يلهجه الجنين.

 توقيت الفتوى كان مناسباً جداً إعلامياً لخلو الساحة الإعلامية من الإثارة، لكنه لم يكن مناسباً البتة لمكاتب الاستقدام فكل من طلب سائقاً لا بد أنه طلب تأجيل حضوره تسعة أشهر هي المدة اللازمة لتضع الزوجة حملها وتصبح قادرة على إرضاع السائق ليتمكن من التجول في المنزل.

 أما بالنسبة للبوابة الإلكترونية المعلوماتية الرائعة التي دشنت وزارة الداخلية السعودية الدخول إليها فقد تأخرت الفتوى قليلاً حيث أن البوابة تعرض كل المعلومات عن المكفولين بما فيها خانات لمعلومات أساسية عن السائق هل جدد الإقامة أم لا، وهل بصم أم لا ويفترض أن تحتوي على خانة هل رضع أم لا.

 ولا شك عندي أيضاً أن هيئة الغذاء والدواء سوف تعترض على طريقة تناول الحليب حيث أن أخر تحديث للفتوى أوضح أن الحليب يؤخذ في إناء وليس المقصود أن يرضع مباشرة (كلنا في الهوى سواويق) وبالرجوع إلى مكونات حليب الأم الطبيعي فإنه يحتوي على نسبة دهون تختلف من وقت إلى أخر ومن رضعة إلى أخرى وتتأثر بالزمن بين الرضعات، وبه نسبة سكر جلوكوز وأنزيمات هاضمة، لكنه لا يحتوي مواد حافظة تجعله طويل الأمد وبالتالي لا يجوز تعليبه أو وضعه في إناء بأي حال من الأحوال.

 اللهم أصلح الحال والأحوال واكفنا شر رضاعة الجهّال. 

نشر في إيلاف اليوم الخميس 27 مايو 2010م

http://www.elaph.com/Web/opinion/2010/5/564958.html

هذا يومهم

اليوم 26 مايو 2010 يقف العالم أجمع لافتا النظر إلى مرض عضال، لم نلتفت له نحن للأسف ولم نتوقف عنده أو نشير إليه.
المصابون بهذا المرض لدينا كثر، ومعاناتهم كبيرة، ويزيدها عدم فهمهم لهذا المرض وعدم توفر توعية ولو محدودة بطبيعته وأعراضه وكيفية حدوثه والتعرف عليه والأسباب المؤدية للإصابة به، وهل يمكن علاجه؟ وكيف؟ وكيف يتم التعامل مع نوباته الشديدة من قبل المريض وأهله ومن حوله، بل وكيف يتم التعامل مع الموظف المصاب به، وهو يتعرض لنوبات فجائية لا يسبقها في الغالب إنذار يتيح فرصة الاعتذار عن الحضور للعمل أو التواجد في اجتماع.
من أصعب الأشياء على المريض أن يصاب بمرض مجهول أو التوعية به معدومة تماما؛ لأن المريض في حاجة ماسة إلى من يشاركه الشكوى ويعيش معه المشكلة ويحس بحجم آلامه فيخففها عليه، وعندما يقع فريسة لألم لا يدرك حجمه إلا هو أو لا يقدر قوته إلا هو فإن الألم يكون مضاعفا؛ لهذا، ولأن الإنسان بطبيعته يوجد لنفسه الحلول إذا لم يجد من يقوم بواجبه نحوه، فقد عمد المرضى المصابون بهذا المرض إلى التكاتف مع بعضهم البعض وأن يشد كل منهم ظهر الآخر، بعد أن لم يجدوا من يشد به الظهر، التصقوا ببعضهم حيث لا نصيب إلا لمن يلتصق بآخر وأنشأوا منتدى خاصا بهم على الشبكة العنكبوتية، وتواصلوا مع بعضهم عبر كل وسائل الاتصال، وراح كل منهم يسند صاحبه ويتكاتفون معا لتوفير معلومة كان يفترض أن يوفرها إعلام التوعية لهم لو لم ينشغل بالتلميع.
إنهم ضحايا مرض التصلب العصبي المتعدد (MS).. هذا المرض، الذي وضع له العالم اليوم 26 مايو يوما خاصا به، لم يضعه «ربعنا» في تقويمهم، بينما ينتظر آلاف المرضى لعل وعسى أن يسمع بهم من به صمم.
مرضى التصلب العصبي المتعدد (Multiple Sclerosis) في المملكة أنشأوا منتدى مرض التصلب المتعدد على الموقع www.ms-saudi.org ، ووضعوا له شعارا معبرا (فأنت بالنفس لا بالجسم إنسان)، ليت البعض يتنازل عن متابعة تقارير حب الذات اليومية ويضغط زرا يحوله إليه، عله يدرك أن الأمراض متعددة والتصلب متعدد والاهتمام نادر.
ولمرضى التصلب العصبي المتعدد نقول: زادكم الله صبرا وأثابكم أجرا، وعليكم بالالتصاق ببعضكم البعض ومناجاة بعضكم البعض إلى أن يلتفت الباحثون في النت عن صور الالتصاق الحميمي المخلص، فيجدوكم صابرين محتسبين عاتبين.

لا تتبرعوا فيذهب أجركم

الموسر الذكي المخلص لا يتبرع للخدمات، أياً كانت، بمبالغ نقدية، بل يطلب قائمة بالأدوات أو الآلات أو الخدمات التي تنقص المؤسسة ويقوم بتأمينها أو التفاوض لشرائها والاتفاق مع المورد، ويترك للمؤسسة الخيرية أو الحكومية أمر الاستلام فقط، ليس هذا وحسب بل يرسل ممثلا عنه للإطلاع على التسليم بالأعداد والمواصفات نفسها التي دفع قيمتها.
هذا هو سلوك الموسر الذكي والمخلص، وهو ذكي لأنه لا يريد أن يعين على الفساد أو يستخدم كأداة للإفساد أو يستغفل، ولأنه يعرف أن المال السايب يعلم السرقة، وهو مخلص لأنه أراد لصدقته أن تذهب مباشرة إلى الخدمة الإنسانية دون أن يشوب ذلك شك أو تنفيع لغير الفقير المستحق أو العاجز المحتاج لكرسي أو المريض المحتاج لجهاز أو أي مكروب آخر أراد أن يفرج كربته.
هذه الدعوة إلى الحذر من التهاون في التبرعات للأعمال الخيرية لا علاقة لها بالتوجه الحالي لتقنين جمع التبرعات وجعله واضحا؛ منعا لإساءة استخدامه، فهي دعوة قديمة وأسلوب دارج لدى من يريد أن يتأكد من وصول صدقته أو تبرعه إلى المستحقين، ولا علاقة لتوقيت هذه الدعوة بشيوع الفساد في شؤون كثيرة وسعي هذا الوطن حثيثا إلى محاربته بكل السبل، وللتدليل على أن هذا التوجه ليس جديدا أذكر أنني منذ ما يزيد على 30 سنة أجريت تحقيقا صحافيا في صحيفة الجزيرة عن دار العجزة (دار الرعاية الاجتماعية حاليا) في الرياض، وكشف التحقيق عن عدم توفر أدوات ومواد أساسية في الدار؛ بدءا بأواني الأكل وأدواته وانتهاء بأسرّة المسنين وكراسيهم المتحركة، وبعد النشر اتصل بي أحد الموسرين وطلب قائمة بكل ما تحتاجه الدار ليقوم بتأمينها بنفسه وبأعلى المواصفات، لكن وكيل وزارة العمل والشؤون الاجتماعية (آنذاك) رفض التبرع؛ بحجة أن أي مشتريات يجب أن تأتي من الدولة بناء على بنود الميزانية والدولة لا تحتاج لتبرعات، ولا شك أنها كانت نظرة بيروقراطية قاصرة كانت شائعة آنذاك وتغيرت، لكن المهم أن التوجه لحماية أموال التبرعات والصدقة من الفساد كانت موجودة منذ ذلك الحين.
في المقابل، لدي معلومات مؤكدة أن سيدة موسرة تعالج زوجها في أمريكا تبرعت لإحدى الأسر الفقيرة بإيجار شقة هذه الأسرة عن طريق كتابة شيك لجمعية خيرية، لكن الجمعية لا تدفع عن الأسرة إلا نصف الإيجار وتطالبها بدفع النصف الآخر مع أنها استلمت الشيك بالمبلغ الكامل فهذه السيدة لو دفعت المبلغ لمكتب العقار وتسلمت الإيصال وعقد الإيجار لكان خيرا لها وللأسرة الفقيرة.
بقي فئة أخرى من الموسرين ممن يتبرعون بمبالغ نقدية كبيرة بهدف كسب المودة والسمعة والرضى والوجاهة وهؤلاء هدفهم دنيوي وهم في النهاية أذكياء ولكن في شأن آخر.

العوازل البشرية واجترار الكفاءات

من يريد أن يعرف سبب اجترارنا للكفاءات رغم وفرتها، ومن يريد شرحا توضيحيا لعدم حصول الكوادر الوطنية المؤهلة علميا وذهنيا والمفعمة إخلاصا على فرصتها، بينما تدور الفرص على عدد محدود يتواجد في دائرة ضوئية ثابتة لا تتحرك، لا تتجول، لا تبحث، لا تستكشف، ومن يريد سببا لانطباق مثل (ما في هالبلد إلا هالولد) على شهادات التزكية لدينا، فإن كل ما عليهم هو أن يتخيلوا النظر إلى مجتمعنا الوظيفي من منظر جوي من طائرة تحلق على ارتفاع يسمح برؤية شاملة لكنها واضحة، مثلما يحدث عندما تقبل على منطقة وأنت على وشك الهبوط.
سترى أن مجتمعنا الوظيفي يتكون من دوائر منتظمة الشكل، بعضها دوائر كبيرة جدا وواسعة والأخرى متوسطة القطر وأخرى صغيرة، لكنها جميعا تشترك في أنها دوائر، وفي مركز كل دائرة يقبع مسؤول على اختلاف حجمه يختلف قطر الدائرة، لكن هذا الشخص محاط بدائرة بشرية من المقربين ممن اكتسبوا الثقة ولا يريدون التفريط فيها؛ لذا فهذه الكتلة البشرية المحيطة به لا تسمح لأي مستجد، مهما بلغ من الكفاءة والإمكانات والقدرات والذكاء والإبداع والإخلاص والوطنية أن يقترب من ذلك المسؤول القابع في مركز الدائرة، لا عبورا فعليا ولا حتى عبورا بالذكر أو السمعة أو الترشيح أو الثناء والاقتراح.
لا تكاد دائرة أو وزارة أو مؤسسة أو أي مستوى من مستويات المسؤولية يسلم من تواجد هذه التكتلات البشرية المحيطة بالمسؤول، والتي تشكل عوازل شديدة تمنع وصول حرارة الكفاءات ودفئها، لكن طبيعة العوازل البشرية عجيبة وإعجازية مثل خلق الإنسان نفسه ــ جلت قدرة خالقه ــ بكل ما فيه من خصائص وطباع وقدرات خارقة، فكل أنواع العوازل الطبيعية سواء المعدنية أو الخشبية أو الفلينية لها خاصية واحدة، إما أن تعزل الشيء أو لا تعزله، أما الكتل البشرية فلديها خصائص وقدرات فائقة في الانتقاء بالغ الدقة، فهي تمنع التوصيل تماما عمن تشاء وتمنح توصيلا قويا لمن تشاء، كما أنها متعددة الاتجاهات، فهي قد تمنع وصول المعلومة عن كفاءة وطنية إلى المسؤول، بينما تنقل معلومات خاطئة عن المسؤول لتنفير المتقدمين منه ومن طباعه وحدته وتصرفاته.
لذا، فإن من الحكمة والعدل أن يخرج المسؤول من دائرة الشلة المغلقة وينفتح على الجميع دون عوازل، ويكتشف الكفاءات بنفسه ويشرح نفسه للناس، فليس أسوأ من أن تسمع عن الكل من قلة حولك ويسمع الكل عنك من آخرين.

بعد أن لا ينفع الندم

لو تعاملنا من منطلق ديني بتأدية الأمانة، ثم منطلق وطني بحفظ المال العام والتوفير على الوطن اقتصاديا، ومنطلق إنساني بحماية الناس على أساس أن الوقاية خير من العلاج، فسوف نجد لزاما على كثير من الوزارات والمؤسسات الحكومية والأهلية والخاصة أن تغير من سياساتها وأساليبها في التعامل مع أخطائها وسلبياتها، التي تكلف الوطن والمواطن أعباء كبيرة على المدى القصير والطويل، تفوق بكثير ما يتصوره من يتعامل مع قصور وزارته بشكل آني وأناني بتحجيم المشكلة والتقليل من شأنها أو نفيها بالكلية؛ لتتراكم بشكل يكلف الوطن والمواطن أرقاما فلكية ماديا ومعنويا وصحيا واجتماعيا.
بعض المسؤولين يروق له أن يستشهد بما يتعلق بتقصير المواطن، وينسبه إلى تكلفة مادية أو نفسية أو اجتماعية أو صحية، مثل الاستشهاد بالآثار الاقتصادية والاجتماعية لحوادث السيارات التي سببها عدم وعي السائق، أو التفحيط الذي سببه سوء التربية وإهمال المراهقين، وهذا كله استشهاد صحيح لا غبار عليه، ولكن طالما أن الفكرة موجودة ولم تغب عن ذهن وعقلية المسؤول فلماذا لا يطبقها على مسؤولياته هو وتقصيره نحوها، فمثلا تلوث مياه الشرب في أحياء من شمالي الرياض ببكتيريا القولون المعروفة بمهاجمتها للجهاز البولي، مؤدية إلى التهابات وتسمم قد يصل إلى الفشل الكلوي.. هذا الخطأ الفادح ستترتب عليه مشاكل صحية تكلفة علاجها عالية جدا، وإذا لم تعالج ــ وهذا وارد وواقعي ــ فإنها حتما ستؤدي إلى خسائر نفسية واجتماعية ومعنوية كان يمكن تلافيها. نفس الشيء يقال عن عجز وزارة التربية والتعليم عن متابعة منع المواد الضارة التي تسمى خطأ أغذية وهي سموم، مثل المواد الملونة والمحتوية على صبغات مسرطنة ومواد حافظة ضارة والبطاطس الصناعية «شبس» والفشفاش، والتي رغم منعها لا تزال تباع في مقاصف المدارس الأهلية والحكومية عيانا بيانا دون رادع، مع أنها تكلفنا ارتفاعا غير مبرر في أمراض الأطفال من السمنة المفرطة إلى السرطان، ألا يمكن للوزارة أن تسهم في منع هذا لو اجتهدت قليلا في رقابتها؟!. الرقابة على ملوثات البيئة من مصانع مجاورة لمساكن ومناطق تجمعات بشرية، والنفايات الطبية، وبحيرات الصرف، والمستنقعات، وأماكن توالد البعوض، والتساهل في دخول المواشي الموبوءة بالمتصدع أو الحمى القلاعية.. كلها جوانب إهمال لا يعلن إلا ما يقبض عليه منها، أما ما يدخل.. فالله وحده يعلم نسبته. التغاضي عن منع مشروبات ضارة بالصحة، مثل مشروبات ما يسمى مشروب القوة والطاقة وخلافها، والتي أجمعت كل لجان الدراسة على ضررها ولا تزال تباع وتنتشر الدعاية لها في كل مكان، أيضا إهمال مسببات الأمراض الفيروسية، مثل التهاب الكبد والإيدز.. كل ذلك يكلفنا خسائر فادحة في الأرواح والأموال. مشكلتنا أننا كنا نعالج النتائج الصحية لأشياء ضارة يمكن تلافيها بدرهم وقاية رقابية، وأصبحنا لا نعالج ولا نقي، وهذا نتائجه ستظهر بعد أن لا ينفع الندم.

كلنا العقيد السبيعي

ليس أصعب على كل مخلص بذل جهدا لوطنه من أن يرى نتائج هذا الجهد ومحصلته وقد ذهبت أدراج الرياح، وليس أكثر إحباطا على أي رجل أمن في العالم من أن يبذل روحه أو يعرضها للخطر ويستجمع كامل قواه العقلية والبدنية للقبض على مجرم أو مخالف حماية لوطنه ثم يراه حرا طليقا لم تطبق عليه العقوبة المستحقة بل ويسخر ممن قبض عليه أو يهدده بالانتقام.
منذ أن كنا صغارا ترعرعنا على احترام رجل الأمن وربانا أبوانا على الاقتناع التام بأن له هيبة عظمى ليس لأنه يلبس لباسا مختلفا ولا لأنه يحمل سلاحا ولكن لأن هيبته في المجتمع هي السلاح الأهم لحمايتنا، وعندما كبرنا أذكر أننا كنا نردد أن من يخلع (زرا) من بدلة عسكري يقبع في السجن ستة أشهر، حتى أن أحد أصدقاء الحارة التحق بمدرسة عسكرية تدريبية وكان يردد علينا هذه العبارة ويحرص على ارتداء بدلة التدريب لكي لا يعتدي عليه أحد ولو بالمزاح وكنا نخشى أن نقترب منه خوفا من أن يسقط أحد (أزرار) بدلته ولو بسبب سوء تركيبه فنتعرض للعقوبة، بل إن أحدنا تشاجر مع شقيق الطالب العسكري وهو يرتدي معطفا (مدنيا) كنا نسميه (كوت) فشده وأسقط (زرارين) فلزم المنزل ثلاثة أيام خوفا من أن (زرار) شقيق العسكري له نفس الحرمة.
وسبق أن كتبت وتحدثت عبر قنوات تلفزيون وطني الإخبارية والرياضية مذكرا بأن التسفير ليس عقوبة بل مكافأة مجزية مشجعة على الجريمة.
حسنا، كل جزء من هذا المقال يبدو منفصلا أو غير ذي علاقة بسابقه وكأنه هذيان طريح الفراش من حمى لكنه في واقع الحال نتاج حمى حقيقية وارتفاع حرارة وغثيان أصابني وأنا أقرأ الخبر الذي نشرته صحيفة الجزيرة في صفحتها الأخيرة يوم أول أمس الخميس وملخصه أن مقيما تركيا قبض عليه ثلاث مرات وهو يمارس تجارة ممنوعة في الخردة وفي كل مرة يقبض عليه يتخذ بحقه قرار (تسفير) لكن القرار لا ينفذ رغم إساءته الأدب في التعامل مع رجال الشرطة، وفي المرة الثانية أيضا اتخذ بحقه قرار تسفير ولكن تم إطلاق سراحه (طالع صحيفة الجزيرة الخميس) وانتهى به التبجح في المرة الثالثة من ارتكاب نفس الجريمة أن اعتدى على العقيد خالد السبيعي قائد الحملة الأمنية بتمزيق قميصه ثم طعن نفسه ثلاث طعنات وجرح وجهه ليدعي أنه هو المعتدى عليه وهو ما دحضه الشهود، والآن هو يهدد العقيد السبيعي بأنه سيخرج من السجن ويؤدب العقيد في مقر عمله قائلا (بس اطلع من السجن راح أؤدبه).
الذي يستحق التأديب تأديبا لا يشمله العفو هو المتمادي في الاعتداء، فالعقيد السبيعي يمثلنا جميعا ويمثل كرامة المواطن.