اليوم: 22 مايو، 2012

المنصب وأضعف الإيمان

الطبع الشائع في كثير من الناس إلا من رحم ربي هو أن أقوالهم ومواقفهم تختلف بل تتباين عندما يكونون في الوظيفة أو المنصب وبعد تركهم الوظيفة أو تخلي المنصب عنهم، فتجدهم أثناء توليهم الوظيفة يقولون كلاما يختلف تماما عما يقولونه بعدها وحتى مواقفهم تختلف، وإن كان لهذه القاعدة شواذ تتمثل في من لديهم الثقة والقناعة بأن عليه أن يتعامل بما تمليه المصلحة العامة، ويبدي رأيه دون تردد أو وجل، ومن أمثلة هؤلاء غازي القصيبي ـــ رحمه الله ـــ فقد كان يعمل ويتحدث عن عيوب ونواقص وسلبيات بيئة عمله ويسعى لإصلاحها عن طريق الصراحة والمصارحة.
على أي حال نحن لا نطالب كل الناس أن يكون لديهم الجرأة والصراحة والالتزام بالموقف أثناء المنصب وبعده، فهذه طباع وصفات يضعها الله في خلقه، لكن الأمر الغريب أن تطغى صفة التحفظ الشديد والخوف والوجل على الوظيفة إلى درجة أن تعارض رأي غيرك رغم قناعتك به فأضعف الإيمان أن تضمر ما تريد قوله في قلبك وألا تتحدث لا بالموافقة على ما يقول ولا بتأييده.
دائما أميل إلى الأمثلة فهي توضح ما تريد قوله وتغني عن مزيد من التفصيل، وبطبيعة الحال أن لا أستشهد إلا بمواقف عايشتها شخصيا وشهدت عليها، فمنذ عشر سنوات أو تزيد كنا في إحدى القنوات السعودية نناقش موضوع وزارة التربية والتعليم وكان الضيف الآخر موظفا فيها، وكان طوال النقاش يدافع عن الوزارة ويعارض ما أطرحه من انتقادات إلى درجة النفي، لكنه بعد الحلقة أخذني بالأحضان وشد على يدي قائلا: إن كل ما قلته صحيح، بل ذهب إلى أبعد من ذلك فبعث لي فيما بعد بدرع تذكارية منه شخصيا فيها إشادة وشكر. أما المثال الثاني فكان منذ سنتين وأثناء برنامج الزميل داوود الشريان على قناة العربية (واجه الصحافة) كنا نتحدث عن التأمين الصحي وأسباب عدم تطبيقه وكان أحدهم يعارض جل ما ذكر عن ذلك، لكنه أيضا بعد الحلقة استوقفني لأكثر من نصف ساعة أمام استوديو العربية ليؤكد لي أن ما ذكرت صحيح بل ليكشف تفاصيل عايشها هو أكثر مما ذكرت.
حبذا لو أننا فيما يخص الوطن ومصلحة المواطن نقول خيرا أو نصمت.