رقابة «تويتر»

المتتبع للتاريخ يجد أن الخالق سبحانه وتعالى جعل لكل زمان رقيباً دنيوياً يخشاه من يغفل عن الرقيب الأعلى في أفعاله وأقواله وأدائه لمسؤولياته أو من لا يغفل عن الرقيب الأعلى سبحانه وتعالى لكنه اشترى الحياة الدنيا بالآخرة، فجعل الله في الحياة الدنيا رقيباً مسموعاً من الناس يقوِّم اعوجاج الأعوج ليحمي الناس منه ويتصيد قصور المقصر ليجبره على تحسين الأداء.
في الزمن الذي لم تكن فيه صحافة ولا إعلام قديم كان الشاعر الفحل في الهجاء هو المخيف للمقصر والمقلق للرديء وكان مقياس الأداء كرما وشجاعة وعطاء وعدلا وورعا وكان الشعر الذي يتناقله الركبان هو أداة النقد والتقويم ومصدر القلق ولم يخل ذلك الزمن من شراء شاعر!!..
في زمن قريب جاءت الصحافة المكتوبة الورقية فتولت المهمة عبر أعمدة صحفية وزوايا وكتاب وتحقيقات صحافية ونقل أخبار فكانت هي الرقيب الممثل للناس إلى جانب الرقيب الحكومي طبعاً والذي لم يكن فعالا ولا مصدر قلق تماماً كما هو الآن، ومع ارتفاع صوت الصحافة الورقية وعلو شأنها أدرك كل من علا شأنه هو أيضاً أن لفرس الصحافة فارساً تلعب وحبل الرسن في يديه هو رئيس التحرير فإذا حسنت العلاقة مع بعضهم أمنت كثيراً من سطوة الصحافة أما البعض الآخر فلا يعنيه غير المهنية لأن المهنة صنعته.
في هذا الزمن لم يعد الناس يراهنون على أحد ولا يتركون أمر الرقيب الممثل لهم لشاعر ولا صحافي ولا رئيس تحرير، لقد أتاح لهم «الإلكترون» بالغ الصغر أن يكبروا فأصبحوا يمثلون أنفسهم في «تويتر» و«فيسبوك» و«يوتيوب» وغيره من الروابط وأصبحت عباراتهم وقصائدهم النقدية لا يتناقلها الركبان خلال رحلة تدوم أشهراً بل يتبادلها المتابعون (الفولورز) خلال ثوان، وأصبح لبعض شخصيات (تويتر) و(فيسبوك) و(يوتيوب) متابعون بمئات الآلاف والملايين وهي أرقام تفوق أضعافاً مضاعفة ركبان شاعر أو توزيع صحيفة.
لقد أراد الله سبحانه أن ينذر من غفل عن رقابته برقيب من خلقه يذكره إذا نسي ويعدل اعوجاجه ويشهد عليه خلقه فتضيق عليه دنيا الفساد بما رحبت لعله يصلح قبل أن يفوت الأوان.

اترك رد